بكاء المـسافات.







مـــن:
المتكاسلة عن العودة و الغافلة عن احتضان اللحظات, من فتاة الرابعة من العشرين ربيعاً,
من الصبية التي انسدل شعرها تحت وطأة الإهمال على كتف الغربة, وتخاذلت عن رفع غُرتها كي تُدرك حجم الشقاء
الذي وصلت إليه بدون رجلُ مثلك..

إلى :
قائد سنوات العمر وصاحب الصوت الصاخب في منزل عتيق, إلى نفس ذاك الرجل الذي يغرزطرف شماغه في فمه ويتلحف بالطرف الآخر يخفي غصة و ونة ودمعتين على فراق أبنائه
إلى والدي العزيز : سالم



أمـــا بعد:

جرت العادة في الحياة أن نختبئ برسائلنا عنكم و نتوسل للحياة أن تمضي دون ترك دليل لكم على حبنا واشتياقنا . نحن نخاف نظرات الحب و طرق الإحتضان لذلك يمضي كل شيء سريعاً يا حبيب قلبي ..
تمضي السنوات مخلفة شيئا من الماضي امتزج بحب الإغتراب ولفحات البرد القارسة هنا تقضي على اوقات العودة و مبادلة الاحاديث التي يسعد لها القلب ..
يـا الله انا مٌرتبكة ياوالدي , أخاف ان اكتب لك فتقرأني بوضوح تام وتعرف انني هشة ولست كما ادليت بي في وجه الحياة, انها حقا هذه الحروف هي المعضلة فهي تتفلت من لساني وتنزلق عند شفتاي فتموت قبل ان تخرج..
قبل عامان نفس هذه الكلمات ماتت مرتين أمامك. مرة عند باب المنزل الخارجي , وأخرى عندما ادار اخي محرك السيارة معلناً مغادرتنا..
الحديث يطول عن الماضي, ويحرق حنايا القلب , انه مجرد لفحة نار كلما هب عليها الريح اشتعلت لتحرق كل شي. لكن دعنا نتبادل اطراف الحديث بجدية في حاضرنا والمستقبل, هلم إلي ي عيني إبنتك وإقرأي على قصائدك وابيات نثرك ثم اغمرني بنظرة تخبرني ان الحياة لا تستحق ان اتوسد فيها سريري في هذا الوقت المبكر بعد ان اترك قهوتي باردة على الشرفة واعتنق الدموع رفيقاً..
نحن نقع في الغرام يا عزيزي . الغرام الذي يجعلنا نتحدث بوشوشة ,, صدقني انا لا ابالغ الوشوشة نفسها التي كنت تنصت لها انت بأذنيك بيني وبين اختي لتقاطعنا متسائلا " هل هناك من أمر ما" ؟!

- ماذا لو نعد من جديد لتسألني هذا السؤال؟!

سـ استرق ساعات طويلة واملئها بي و بحديثي وبـ ابجديتي المريضة .
سـ اجزم لك ان الحب ماهو إلا آيات تتلى على ارواحنا فــ يغشى على قلوبنا في غفلة .
سـ انتصر للـحظات العائلية التي قتلتها انا بـ صمت و ضجر وانشغالي بـ ( استايل ) الجامعة .


هل رأيت كيف ان الماضي كـ النار يلتهم كل شيئ, ! . ثمة حنين يا نبض قلبي يستحيل ان يموت, ثمة صور تترائى أمامنا بلا هوادة ....
أووه .. كـ العادة أنا لا اكف عن حديثي في الماضي , وكأن الماضي رفيقي الوحيد.. لكن الوضع يتغير انا الآن كبرت سنتين من العمر دون ان تراني, شعري اصبح مسودآ كـ الحزن و عيناي ازدانت باللون الأسود كـ انها تخفي قصة الحنين و زاد اتساع قلبي..

_ إتســـاع قلبي زاد يا والد أخي !

كيف لقلوبنا ان تتسع في الغربة ؟!. فـ لايكفيها العالم و لاتٌصاب بتخمة الإزدحام ..

أنا الآن ممتلئة بالجميع ي والدي , جارنا الأجنبي يسترق النظر لما اقوم به كل يوم. يبدو انه لم يشهد إلا عناء الأنثى, لايروق له صوتي حينما اصرخ باحثة عنك ..
طرق بابي ذات صباح وناولني جريدة اجنبية كانه يُشفق علي من البعثرة , بل كـأنه يقول لي لـربما أجد عنك خبراً في هذه الصفحات ..
غادرني في سكرة الدهشة, كيف له أن يودع في قلبي مكدة البحث عنك ويلهم قلبي بـ الخوف من الغياب مرة أخرى.
في الحقيقة ..
الحياة هنا تُجبر النفس البشريه على أن لا تسرف وقتآ طويلآ في حدث ما, فـ نحن محاسبين من قبل الوقت هنا. لذلك أنا تناسيت ماتسبب به هذا الجار من غرابة وحيرة في حق قلبي.

في شهر نوفمبر الماضي, كانت الساعة تشير إلى الواحدة والثلث بعد منتصف الليل. صوت المطر مُزعج والجميع يشتكي منه وكأنه يدق أبواب الأرض يريد ان يوقظ اهلها. في تلك الليلة قضيت ثلاث ساعات وانا اتحدث معك انت ووالدتي على الطرف الآخر من الهاتف ..كانت اشبه بـ سهرة مخمرية اللون تُشبه الجلوس على باب جنة ..
وبعدما تفلتت أذني أصواتكما انفجرت باكية بـ ببلاهة وبـ صوت اشد ازعاجاَ من تكات المطرعلى صدر الأرض..

في اليوم التالي طرق بابي جارنا من جديد واودع لي هذه المرة ظرف يحمل اللون الأحمر, واردف قائلاَ "هذا مكتب عنوان البريد في هذه البلدة"  , ثم أردف مقاطعاً تسائلاتي " تستطيعين ان بتعثي برسالة لهم او تبحثين عن عنوانهم لدى المكتب "
ثم مضى ..

_ كيف لـ الغرباء ان يلتمسوا في قلوبنا حُزناً عظيماً ويُسيرون هذا الحزن تحت وطأة فضولهم .؟!

إنها ليست بغريبة علي أن اعود من جديد لأرفق في اذنيك صوت قصص الماضي هذه , واصور لك ما لا تريد أن تراه . لكن من الواجب علي كـ ابنة ان لا اخفيك عن أمر جنوني الذي حدث طيلة هذه الغربة ..

يا كتفي في الحياة..

أنا الآن اكتب لك بفارق يومين قبل عمليتك التي سـ تُحدث في قلبي استعمارا و ألما. عمليتك التي سـ تسرقك منا بتخطيط مُدبر وتحدث الضجيج في قلوبنا وترعب اصواتنا من الصراخ..
كيف لـ هذه العملية ان تتمرد في هذا الوقت بالتحديد و كأنها تنتصر للبعد وللمسافات التي اهملتها انا منذ يناير الماضي.

_ بـ وخزة ألم أقول لك ان المسافات تبكي من أجلنا الآن.؟!

المسافات تنصت للحديث الودي بين قلوبنا, وبين رسائل الإس ام اس تارة ورسائل الواتس آب تارة أخرى . تلك الرسائل التي اودعنا فيها كلمتين وكررناها مرة ومرة ومرة ..

_ كيفك ؟!
_ بخير, كيفك؟
_ بخير.

_ هذه الرسائل جبانة في حقنا , هي لا تنصفنا جيدآ ولا تروي عطش اسئلتنا ومخاوفنا ..

أشتهي ان اسرد لك تفاصيل الخوف الذي يسكنني ازاء العملية المريضة في حق صحتك . ارغب أن أخبرك اني لو كنت قريبة لما سمحت لـ تمردها ان يحدث , وإلا تريدني أن اراها تُودع اجهزتها داخل قلبك وفي رئتيك وأصمت؟!
تٌريدني انتظرها حتى تسرق منك وعيك و صوتك و اصمت ؟َ
أود لو ان الح عليك مطالبة بإجابات لأسئلتي , احتاج ان اعلم ماتشعر به الآن وماذا تريد وهل انت خائف كـ الاطفال ام انك لا تكترث لـ استحلالها..

_ الكثير الكثير ياوالدي  في قلبي .. شيئ من الفضول اختلط بعنصري الخوف والتشتت وماكان مني إلا ان اكتب لك رسالة أنجبتها من رحم الغرابة و الغموض..

حبيبي:

دعنا ننتقل للحاضر قليلآ.. ماذا لو أننا نشارك في رسمه من الآن؟! .. حتى لاندع فرصة لغرابات الحياة بإنتهاك خاصية استمتاعنا به ..
هل لك أن تكون غداً بخير.؟! .. تعود لـ المنزل وتُسقي الريحان و الورد على اطراف المنزل..
_ليس عدلاً أن توكل مهامك لـ أمي .. ليس عدلا..
انت لا بد ان تعود وإلا كيف لي ان احتجز مقعداً في طائرة أجنبيه لـ ارض لا تتبنى اطفالها وأنت ليس موجود..
هيـا لا تكثر الغياب ..
عد لهم كي اعود واحتضنك ..
عد مبكراً قبل ان تموت الخطط التي بنيناها سوياً .. وقبل ان اهوي من صمودي الذي توشحته من أجلك ..
عد يا روحي كي تعود الحياة تبث أوكسجينها فيني ..
عد ولا باس طهور يا أغلى من البشرية و اثمن من الامنيات واكبر من منتهيات الأحلام


إنتهى ..


دُونت بـ دمع في فيبراير 2013.

تعليقات

  1. وكأنني تعبت من الطوآف حول المعمورة مستجديآ أقلام العابرين ...
    هو هكذآ الحرف كمآ عهدته ...
    نقيآ ..
    صآدقآ ...
    وملئ بمشاعر هم يعلمون سرهآ ومآ أخفيت ...
    الغاليه حنان ..
    ربمآ نعآني من نفس الحزن ..
    فكلينآ نبعد عن أهالينا مسآفة يصعب على الشوق إجتيازها ...

    لكل حزن أخ إسمه الأمل ..
    فلآ تحزني إن الله معنآ ...

    ... وآلي الحرف ...

    ردحذف
  2. تعليقك ادخل الأمل لقلبي
    لربما غداً أجمل
    شاكرة لك والي

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ياترى هي كــذبة ابريل..

قليلآ من الارتواء

لا أحبك ي أبريل