في الإغتراب يُكرم المرء أو يُهان










حينما تصل إلى منفذ أحلامك و تتدفق عليك نعيم السعادة من كُل باب، تُخال أنك أنجزت كُل شي بمُجرد عبودك البوابة الأولى من النجاح وتنسى أن أعظم قصص النجاح كان قوادُّها ممن عانوا من صعوبة البدايات فكان الكفاح سلاحهم الأول حتى حققوا أنجح النهايات التي عقبتها نجاحات أُخرى.

هكذا وقفت في الإبتعاث ، ظننت أن تواجدي في الغُربة هو كُل الإنجاز وتغافلت في الشهور الأولى عن هدفي الأهم الذي مغزاه " ماذا سأُحرز خلال تواجدي هُنا؟!" ، " كيف سأدفع ثمن المسافات التي تفصلني عن والداي بمقابل غالي يتلخص في شهادة تختصر سنواتي هُنا؟! " ، " وكيف سأختار دربي في تدافع الثقافات وانفتاح العالم على مصراعيه يحفى بإغترابي؟!". سألت نفسي مراراً بعد وصولي لأرض لم انتمي لها يوما؛ " ماهية السبب الذي دفعني للمضي قدماً إلى هذا الوطن ؟! تاركة من خلفي كل عادات القبائل تهمس في ظهر حلمي أنني لابُد أن أعود بـ مبرر قوي يُخرس السنة الجاهلين!. 

راودتني تساؤلات لم تعبرني حين استلامي قرار الإبتعاث بقدر ما هي تجول بخاطري عند وصولي إلى " كندا". عرفت جيداً أن ثمن فراق عائلتي لابد أن يكون مساوياً للوجع الذي سأتركه في قلوبهم حتى التخرج والعودة إلى الوطن! ونفضت عن جبيني حُزن الفراق ومضيت أبحث في هذا الوطن الجديد عن ذاتي.
قادني تخصصي السابق كـ طالبة لغة عربية إلى الصمود والمكافحة لدراسة تخصص" اللغويات". كُنت اعمل جاهدة على إثراء معرفتي لغوياً وفكرياً وقبل هذا كله ثقافياً لأن الحياة في بلد مُنفتح تقتضي العطاء مقابل الأخذ والتفاعل اتجاه كل حضارة حتى نقتبس منها مايعرف علينا بالنفع غداً. 

 في غمر سعادتي بالتعاطي مع كل معرفة جديدة، وفي نشوة إنجازاتي أدركت أنني لم أجدني منذ منتصف عام ٢٠١١ حتى بدايات عام ٢٠١٣. لم أجد ذاتي جيداً لأنني تمسكت بـ أملٍ واحد، و دربٍ واحد لتحقيق ما غادرت من أجله. أدركت مُتأخراً أنه لابد أن يكون لنا أكثر من خطة بديلة في الحياة فإن لم تنجح الخطة " أ" فقد تقودنا مسالك الخطة " ب " إلى تحقيق الحلم، كان علي أن أفيق وأدرك أن الوقوف طويلاً أمام باب مُوصد في الحياة بينما هي تفتح أبوابها الأخرى لنا لـ هو أمر يحتاج أن نعيد النظر فيه . كان تمسكي بـ دولة واحدة لدراسة تخصصي دون الدول  الأخرى مُجرد رغبة في البقاء في البلد الأول الذي احتضنني بعد وطني لا أكثر.

حينما تضيق بك السُبل وتبدأ تتساءل من أعماقك عن جدوى الإستمرارفي الكفاح ، كٰن عليك يقين أن ما منعك الله عن شئ إلا كان يُريد لك خيراً عظيماً في مكان آخر فقط استعن بالله وأنهض من جزعك وتذكر أنك تركت الكثير لأجل هدف واحد، ومن الأحرى أن تضحي بمكان آخر مقابل حلمك الأكاديمي.
نهضت من سُباتي الطويل بعد سنتين مضيتها في كندا ما بين " لغة" و " دورات اكاديمية" وادركت ان هدفي الرئيسي الأول كان " درجة الماجستير" ومضيت أبحث عن بابٍ من الأمل يقودني إلى ما سموت إليه. 

والآن أنا على مشارف نهاية الترم الثاني من دراسة الماجستير في تخصص " اللغويات " الذي لطالما حلمت به، لكن في مكان آخر " استراليا" حيث الباب الثاني الذي سيرتني له الحياة. وها أنا على مفترق فصلين دراسيين من تخرجي بإذن الله وأستطيع أن اقول " ان ذاتك في أعماقك ، لا تبحث عن ذاتك بين الأوطان وفي متاهات الأحلام ، غادر شتاتك وفتش في داخلك ستجد ذاتك ، أينما وظفتها بتأني أنتجت لك في كل مكان وزمان. زاد ذواتنا المعرفة ونتاجها الإبداع والإنجاز لذلك كُن على يقين أن يكون هدفك واضح واستعن بالله".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ياترى هي كــذبة ابريل..

قليلآ من الارتواء

لا أحبك ي أبريل